هل هناك ضرورة للإيمان بالإله ؟
لا تتعجل في الجواب ! اعط عقلك فرصة للتفكير.
يختلف الناس في تفسير وجود هذا الكون الفسيح بما فيه من سماء وأرض وما بينهما ؟ كيف تكون هذا الكون ؟ ومن الذي جعله بهذا النظام البديع والدقيق ؟ ومن جعله بهذه الصورة الجميلة ؟ ومن وراء هذا التوازن الرائع بين مكوناته الحية ( مثل : الإنسان والحيوان والنبات )، وغير الحية ( مثل : الأرض والماء والهواء ) ؟
أسئلة كثيرة يأتي على رأسها : السؤال عن الإنسان الذي يعتبر من أعظم وأعجب الموجودات، فالإنسان عجيب في تركيب جسمه! وعجيب في عقله وتفكيره ! وعجيب في توازن نشاطه ! وعجيب في آثاره في الحياة !
فمن أين أتى الإنسان ؟!
هل وجد الإنسان من غير شيء ، أي صدفة ؟
أم أنه خلق نفسه ، وخلق ما حوله ؟
أم أن الطبيعة هي التي أوجدته؟ ومن أوجد الطبيعة ؟
ثم لماذا وجد الإنسان في هذه الحياة ؟
وإلى أين سيذهب بعد نهاية حياته ؟
إن الإنسان اليوم قد بلغ بتقدمه العلمي في جميع مجالات الحياة درجة كبيرة ! إلى درجة أنه صار يفكر في الخلود في هذه الدنيا ، ويسعى لتحقيق ذلك !
وهذا العلم يعرف الإنسان بكل شيء حوله : ماهو؟ وما مكوناته ؟ ويصف له ما يحدث حوله ؟ ويفسر له ما يلاحظه من تغيرات تحدث حوله ؟
لكن هذا العلم بما فيه من قوة يقف عاجزاً أمام الإجابة عن السؤال : لماذا يحدث هذا ؟!
فمثلاً : لو أنك سألت طبيبا: ما السبب وراء احمرار الدم؟
لأجاب: لأن في الدم خلايا حمراء!
- حسنا ولكن لماذا تكون هذه الخلايا حمراء؟
- في هذه الخلايا مادة تسمى (الهميوجلوبين) وهى مادة تحدث لها الحمرة حين تختلط بالأكسجين في القلب.
- هذا جميل. ولكن من أين تأتى هذه الخلايا التي تحمل الهميوجلوبين ؟
- إنها تصنع في كبدك.
- عجيب! ولكن كيف ترتبط هذه الأشياء الكثيرة من الدم والخلايا والكبد وغيرها بعضها ببعض ارتباطا كليا ، وتسير نحو أداء واجبها المطلوب بهذه الدقة الفائقة؟
- هذا ما نسميه بقانون الطبيعة.
- ولكن ما المراد بقانون الطبيعة هذا ، أيها الطبيب؟
- المراد بهذا القانون هو الحركات الداخلية العمياء للقوى الطبيعية والكيماوية.
- ولكن لماذا تهدف هذه القوى دائما إلى نتيجة معلومة؟ وكيف تنظم نشاطها حتى تطير الطيور في الهواء ، ويعيش السمك في الماء ، ويوجد إنسان في الدنيا بجميع ما لديه من الإمكانات والكفاءات العجيبة المثيرة؟!
- لا تسألني عن هذا ، فإن علمي لا يتكلم إلا عن: (ما يحدث) وليس له أن يجيب
لماذا يحدث؟) .
مثال آخر :يقول البروفيسور (سيسيل بايس هامان) وهو أستاذ أمريكي في البيولوجيا:
" كانت العملية المدهشة في صيرورة الغذاء جزءاً من البدن تنسب من قبل إلى ( الإله )، فأصبحت اليوم بالمشاهدة الجديدة تفاعلا كيماويا ، هل أبطل هذا وجود الإله؟ فما القوة التي أخضعت العناصر الكيماوية لتصبح تفاعلا مفيدا؟ . . . إن الغذاء بعد دخوله في الجسم الإنساني يمر بمراحل كثيرة خلال نظام ذاتي ومن المستحيل أن يتحقق وجود هذا النظام المدهش باتفاق محض. فقد صار حتما علينا بعد هذه المشاهدات أن نؤمن بأن الله يعمل بقوانينه العظمى التي خلق بها الحياة! ".
يتضح من هذين المثالين مدى صلاحية العلم الحديث لشرح العلل والأسباب وراء هذا الكون. ولا شك أنه قد أبان لنا عن كثير من الأشياء التي لم نكن على معرفة بها ، ولكن من الذي يستطيع الجواب عن : لماذا يحدث ؟ وما هي القوة العجيبة والحكيمة التي وراء هذا النظام البديع والعجيب في جسم الإنسان ، وفي الكون من حوله ؟
ولكي يصل الإنسان إلى الحقيقة لابد له من التجرد ، ومن طرد كل ما يعيق حركة فكره ، وانتباه حواسه ؛ لأنه من الخطأ أن يغلق الإنسان على عقله ويحرمه التفكير والتدبر ، ويجعله أسير التعصب فيعمى عن رؤية الحقيقة وهي أمامه واضحة وضوح الشمس في النهار ، ولقد صدق العالم البريطاني الشهير سير جيمس جينز حيث قال في كتابه ( عالم الأسرار ):" إن في عقولنا الجديدة تعصبا يرجح التفسير المادي للحقائق".
وذكر (ويتكر شامبرز) في كتابه (الشهادة ) حادثا كان من الممكن أن يصبح نقطة تحول في حياته. " ذكر أنه بينما كان ينظر إلى ابنته الصغيرة استلفتت أذناها نظره !! فأخذ يفكر في أنه من المستحيل أن يوجد شيء معقد ودقيق كهذه الأذن بمحض اتفاق ! بل لابد من أنه وجد نتيجة إرادة مدبرة " . لكن - ويتكر شامبرز - طرد هذه الوسوسة عن قلبه حتى لا يضطر أن يؤمن – منطقيا- بالذات التي أرادت فدبرت ، لأن ذهنه لم يكن على استعداد لتقبل هذه الفكرة الأخيرة.
إذن لماذا يتعصب بعض الناس ، ويرفض البحث عن ما وراء هذا الصنع المبدع ، والإتقان العجيب في كل الموجودات؟!
إنهم يقولون إنها قضية طريقة الاستدلال ، بمعنى أن الطريقة الجديدة التي كشفها العلم الحديث بعد التطورات في ميادينه العديدة هي معرفة الحقيقة بالتجربة والمشاهدة على حين تتصل عقائد الدين بعالم ما وراء حواسنا ، ولا يمكن إخضاعها للتجربة ، (فالدين مبني على قياس واستقراء) ، وهذا هو ما يجعله باطلا لأنه ليس له أساس علمي.
فنقول لهم : إننا نرى أن الطير عندما يموت يقع على الأرض ، ونعرف أن رفع الحجر على الظهر أصعب ويتطلب جهدا ونلاحظ أن القمر يدور في الفلك ، ونعلم أن الصعود في الجبل أشق من النزول منه. ونلاحظ حقائق كثيرة كل يوم لا علاقة لإحداها بالأخرى ظاهرا ، ثم نتعرف على حقيقة استنباطية-هي (قانون الجاذبية) وهنا ترتبط جميع هذه الحقائق فنعرف للمرة الأولى أنها كلها مرتبطة إحداها بالأخرى ارتباطا كاملا داخل النظام.
وكذلك الحال لو طالعنا الوقائع المحسوسة مجردة ، فلن نجد بينها أي ترتيب ، فهي متفرقة وغير مترابطة ولكن حين نربط الوقائع المحسوسة بالحقائق الاستنباطية فستخرج صورة منظمة (للحقائق ).
إن قانون (الجاذبية) لا يمكن ملاحظته قطعا ، وكل ما شاهده العلماء لا يمثل في ذاته قانون الجاذبية وإنما هي أشياء أخرى ، اضطروا لأجلها-منطقيا- أن يؤمنوا بوجود هذا القانون.
واليوم يلقى هذا القانون قبولا علميا عظيما ، ولكن ما حقيقة هذا القانون من الناحية التجريبية؟ . .
ها هو ذا نيوتن يتحدث في خطاب أرسله إلى (بنتلي) فيقول:" إنه لأمر غير مفهوم أن نجد مادة لا حياة فيها ولا إحساس وهى تؤثر على مادة أخرى مع أنه لا توجد أية علاقة بينهما " .
فنظرية معقدة غير مفهومة ولا طريق إلى مشاهدتها ، تعتبر اليوم بلا جدال حقيقة علمية! ! ! لماذا؟ . . لأنها تفسر بعض ملاحظاتنا فليس بلازم إذن أن تكون الحقيقة هي ما علمناه مباشرة بالتجربة ، ومن ثم نمضى إلى القول بأن العقيدة الغيبية التي تربط بعض ما نلاحظه ، وتفسر لنا مضمونه العام - تعتبر حقيقة علمية من نفس الدرجة!بل أقوى ؛لأن العقيدة الغيبية جاءت بما ليس عرضة للخطأ ، بخلاف النظريات العلمية التي ما تلبث أن تجد من يكشف خطأها من بني البشر ليطرح نظرية جديدة تحل محلها .
وبهذا لا ينبغي القول بأن الدين هو (الإيمان بالغيب ) ، وبأن العلم هو الإيمان ( بالملاحظة العلمية) ، فالدين والعلم كلاهما يعتمد على الإيمان بالغيب ، غير أن دائرة الدين الحقيقية هي دائرة (تعيين حقائق الأمور) نهائيا أو أصليا ، أما العلم فيقتصر بحثه على المظاهر الأولية والخارجية ، فحين يدخل العلم ميدان تعيين حقائق الأمور تعيينا حقيقيا ونهائيا- وهو ميدان الدين الحقيقي- فإنه يتبع نفس طريق الإيمان بالغيب الذي يهتم به الدين.
وبعد هذه السياحة الفكرية تعالوا معي نفتش في الطبيعة ، ونُعمل فكرنا فيها ، وندقق بحواسنا لنصل إلى الحقيقة .
إن وجود الكون والنظام العجيب الذي اشتمل عليه وأسراره الدقيقة لا يمكن تفسير ذلك كله إلا بأنه قد خلقته (قوة) وأن هذه القوة (قادرة ، حكيمة ، ومدبرة ) .
ولنبدأ رحلة التفكر بالفضاء الكوني الفسيح جدا ، ففيه تتحرك كواكب لا حصر لها بسرعة خارقة ، بعضها يواصل رحلته وحده ، ومنها أزواج تسير مثنى مثنى ، ومنها ما يتحرك في شكل مجموعات.
ولو أنك لاحظت ضوء الشمس الذي يدخل غرفتك من الشباك فسترى أن هناك ذرات كثيرة من الغبار تتحرك وتسير في الهواء ، فلو استطعت أن تتخيل هذا في شكل أعظم لأمكنك أن تحظى من الفهم بشيء عن السيارات والكواكب في الكون مع الفرق الهائل المتمثل في أن ذرات الغبار تتحرك ويتصادم بعضها مع بعض ، ولكن الكواكب مع كثرتها يواصل كل واحد منها سفره على بعد عظيم يفصله عن الكواكب الأخرى.
إن حركة الأرض حول الشمس منضبطة تمام الانضباط بحيث لا يمكن أن يحدث أدنى تغير في سرعة دورانها حتى بعد مرور قرن من الزمان. وهذا القمر الذي يتبع في حركته الأرض يدور في فلك مقرر ومنضبط مع تفاوت يسير جدا ، يتكرر بعد كل ثمانية عشر عاما ونصف عام بدقة فائقة ، وتلك هي حال جميع الأجرام السماوية. ويرى علماء الفلك أن مجرات النجوم يتداخل بعضها في بعض فتدخل مجرة تشتمل على بلايين من السيارات المتحركة في مجرة أخرى مثلها (وتتحرك سياراتها هي الأخرى) ثم تخرج منها بسياراتها جميعا دون أن يحدث أي تصادم بين سيارات المجرتين.
فمن وراء هذا النظام العجيب ؟ ومن جعل هذا التنظيم الدقيق ؟
إن العقل حين ينظر إلى هذا النظام العجيب والتنظيم الدقيق الغريب ، لا يلبث أن يحكم باستحالة أن يكون هذا كله قائما بنفسه ، بل إن هنالك طاقة غير عادية هي التي تقيم هذا النظام العظيم وتهيمن عليه.
أما محطتنا الثانية في رحلة التفكر : فهي أننا نتحير إذا رأينا النظام المعقد لأسلاك التليفون و نتحير إذا وجدنا أن مكالمة من لندن إلى ملبورن باستراليا تتم في بضع ثوان ، ومثله الفاكس والجوال والإنترنت وجميع أجهزة الاتصال الحديثة ؛ فإذا كان تعقيد نظام أسلاك التليفون يوقعنا في هذه الحيرة فما بالنا بنظامنا العصبي وهو أوسع من هذا النظام وأشد تعقيدا؟ !
إن ملايين الأخبار تجري على أسلاك نظامنا العصبي من جانب إلى آخر ليل نهار. وهذه الأخبار التي توجه القلب في تدفقها وفي حركتها ، وتتحكم في حركات الأعضاء المختلفة ، وتتحكم في الحركات الرئوية. ولو لم يكن هذا النظام موجودا في أجسامنا لصارت الأجسام تلفيقا لأشياء مبعثرة تسلك كل منها مسلكها الخاص.
فمن أوجد هذا النظام ؟
ومركز هذا النظام للمواصلات مع مخ الإنسان ، وفي هذا المخ يوجد ألف مليون خلية عصبية ومن كل هذه الخلايا تخرج أسلاك تنتشر في سائر الجسم وتسمى هذه الأسلاك (الأنسجة العصبية) وفي هذه الأنسجة يجري نظام استقبال وإرسال للأخبار بسرعة سبعين ميلا في الساعة. وبوساطة هذه الأنسجة نتذوق ، ونسمع ، ونرى ، ونباشر سائر أعمالنا ؛ بل إن هنالك ثلاثة آلاف من الشعيرات المتذوقة وتسمى Taste Buds . ولكل منها سلك عصبي خاص متصل بالمخ. وبوساطة هذه الشعيرات يحس بالمذاقات المختلفة. وتوجد في الأذن عشرة آلاف خلية سمعية. ومن خلال نظام معقد يسري من هذه الخلايا يسمع مخنا. وفي كل عين مائة وثلاثون مليونا من الخلايا الملتقطة للضوء Light Roceptors ، وتقوم بمهمة إرسال المجموعة التصويرية إلى المخ وهناك شبكة من الأنسجة الحسية على امتداد جلدنا فإذا قربنا إلى الجلد شيئا حارا ، فإن ثلاثين ألفا من الخلايا الملتقطة للحرارة تحس بهذه العملية وترسلها فورا إلى المخ. وإذا قربنا إلى الجلد شيئا باردا فإن ربع مليون من الخلايا التي تلتقط الأشياء الباردة تحس به وعندئذ يمتلئ المخ بأثرها ويرتعد الجسم وتتسع الشرايين الجلدية فيسرع مزيد من الدم إليها ويزودها بالحرارة وإذا أحست هذه الخلايا بحرارة شديدة فإن مخابرات الحرارة توصلها إلى الدماغ وحينئذ تفرز ثلاثة ملايين من الغدد العرقية –تلقائيا- عرقا باردا إلى خارج الجسم.
والنظام العصبي يشتمل على عدة فروع. منها: الفرع المتحرك ذاتياAutonomic Branch ، ويقوم بأعمال تحدث ذاتيا في الجسم كعملية الهضم والتنفس وحركات القلب. ويندرج تحت هذا الفرع نظامان: أحدهما: النظام الخالق للحركة Sympathetic System ، والآخر هو المانع لها Payasympathetic ، وهذا الأخير يقوم بعملية المقاومة والدفاع. ولو ترك الأمر للنظام الأول لازدادت حركة القلب زيادة يترتب عليها موت صاحبه ولو سيطر النظام الثاني لتوقفت حركة القلب توقفا تاما. وأقسام هذين النظامين تباشر أعمالها في دقة فائقة وفي توازن عام ، ولكن هنالك حالات يزداد فيها نشاط أحد النظامين ، فالنظام الأول يتغلب عند الضغط واحتياج القلب إلى قوة مسعفة وعندئذ تزيد سرعة عمليات القلب والرئة ، والنظام الثاني يتغلب عند النوم. فيسود السكون جميع الحركات الجسمية.
فمن وراء هذا النظام والتناسق العجيب ؟
إنه من المستحيل أن نتصور أن نظام الكون- الذي هو أكثر تعقيدا من أي نظام- قد قام بنفسه بغير ( خالق حكيم مدبر) وراءه ؟!
ونصل إلى محطتنا الثالثة لننظر إلى التوازن المدهش في الأرض:
فالأرض أهم عالم عرفناه إذ توجد فيها أحوال لا توجد في شيء من هذا الكون الواسع ، وهى في ضخامتها (كما تبدو لنا) لا تساوى ذرة من هذا الكون العظيم ، ولو أن حجمها كان أقل أو أكثر مما هي عليه الآن لاستحالت الحياة فوقها !!
فلو أنها كانت في حجم القمر مثلا ؛ بأن كان قطرها ربع قطرها الموجود فعلا. لكانت جاذبيتها سدس جاذبيتها الحالية ، ونتيجة لذلك لا يمكن أن تمسك الماء والهواء من حولها ، كما هي الحال في القمر الذي لا يوجد فيه ماء ولا يحوطه غلاف هوائي لضعف قوة الجاذبية فيه. وانخفاض الجاذبية في الأرض إلى مستوى جاذبية القمر سيترتب عليها اشتداد البرودة ليلا حتى يتجمد كل ما فيها واشتداد الحرارة نهارا حتى يحترق كل ما عليها.
وكذلك يترتب على نقص حجم الأرض إلى مستوى حجم القمر أنها لن تمسك مقدارا كبيرا من الماء. وكثرة الماء أمر ضروري لاستمرار الاعتدال الموسمي على الأرض ومن ثم أطلق أحد العلماء على هذه العملية لقب (عجلة التوازن العظيمة Great Balance Wheel ) وكذلك سيرتفع الغلاف الهوائي للأرض في الفضاء ثم يتلاشى. ويتبع ذلك أن تبلغ درجة حرارة الأرض أقصى معدلها ، ثم تنخفض إلى أدنى درجاتها على ما سبق ذكره.
وعلى العكس من ذلك إذا كان قطر الأرض ضعف قطرها الحالي لتضاعف جاذبيتها الحالية ، وحينئذ ينكمش غلافها الجوى- الذي هو على بعد خمسمائة ميل-إلى ما دون ذلك. وسيترتب على هذا أن يزيد تحمل كل بوصة مربعة من خمسة عشر رطلا إلى ثلاثين من الضغط الجوى وهو ضغط يؤثر أسوأ الأثر في الحياة.
ولو كانت قشرة الأرض أكثر سمكا بمقدار عشرة أقدام من سمكها الحالي ، لما وجد الأوكسجين ، وبدونه تستحيل الحياة الحيوانية.
وكذلك لو كانت البحار أعمق بضعة أقدام ، أكثر من القاع الحالي ، لانجذب (ثاني أكسيد الكربون) ، والأوكسجين ، ولاستحال وجود النباتات على الأرض ؛ فضلا عن الحياة.
ولو كان الغلاف الهوائي للأرض ألطف مما هو عليه الآن ، لاخترقت النيازك كل يوم غلاف الأرض الخارجي ،ولرأيناها مضيئة في الليل ولسقطت على كل بقعة من الأرض وأحرقتها ، فهذه النيازك تواصل رحلتها بسرعة أربعين ميلا في الثانية ، ونتيجة لهذه السرعة العظيمة ، فإنها ستحرق كل شيء يمكن احتراقه على الأرض .
فنحن إذن في حماية هذا الغلاف الكثيف الموزون الذي لا تخترقه (الأشعة الشمسية ذات الأهمية الكيماوية Actinic Rays ) إلا بالقدر الذي يكفي لحياة النبات، وإيجاد الفيتامينات والقضاء على الجراثيم الضارة وما إلى ذلك. .
وعند النظر في قانون الضغط والتوازن:فسيظهر سؤال هام ، وهو : كيف تجمعت هذه الغازات الشديدة الحركة ، مع احتفاظها بمقاديرها المتناسبة التي لابد منها للحياة في الفضاء؟
والجواب: أنه لو كانت نسبة الأوكسجين 50% أو أكثر بدلا من 21% لزادت قابلية الاحتراق بما يساوي ارتفاع هذه النسبة . . . فإذا احترقت شجرة واحدة في غابة حينما تكون نسبة الأوكسجين 21% فإن الانفجار الخاطف الناجم عن ارتفاع هذه النسبة إلى 50% يجعل احتراق الغابة كلها أمرا حتميا في لحظات!
ولو أن هذه النسبة انخفضت فأصبحت 10% لكان من الممكن على مدى القرون أن تعتاد الحيوانات الحياة مع انخفاض نسبة الأوكسجين إلى هذا الحد ، ولكنه يكون من المستحيل أن تزدهر الحضارة الإنسانية كما هي عليه في الظروف الحالية.
إن العلم لا يملك أي تفسير للحقائق ، والقول بأنها حدثت (اتفاقا) إنما يعتبر تحديا واستخفافاً بالعقل ، بل الصحيح أن هناك وقائع كثيرة جداً لا طريق لنا إلى فهمها أو تفسيرها إلا إذا سلمنا بأن للعقل يداً عليا في إحداثها .
ولنتأمل الآن في أمر هذا الكون فلو كان كل هذا بالصدفة والاتفاق ، فكم من الزمان استغرق تكوينه بناء على قانون الصدفة الرياضي؟ والموجود صدفة ليس على نظام في أصل وجوده ؛ كيف يكون منتظماً حال بقائه وتطوره ؟!
إن الأجسام الحية تتركب من (خلايا حية) وهذه (الخلية) مركب صغير جدا ومعقد غاية التعقيد ، وهى تدرس تحت علم خاص يسمى (علم الخلايا )Cytology ، ومن الأجزاء التي تحتوى عليها هذه الخلايا: البروتين وهو مركب كيماوي من خمسة عناصر هي : الكربون والهيدروجين والنتروجين والأوكسجين والكبريت. . ويشمل الجزيء البروتيني الواحد أربعين ألفا من ذرات هذه العناصر! !
وفي الكون أكثر من مائة عنصر كيماوي كلها منتشرة في أرجائه ، فأية نسبة في تركيب هذه العناصر يمكن أن تكون في صالح قانون (الصدفة)؟ أيمكن أن تتركب خمسة عناصر-من هذا العدد الكبير-لإيجاد (الجزيء البروتيني) بصدفة واتفاق محض؟ !
إن جزيء البروتين يتكون من (سلاسل) طويلة من الأحماض الأمينية( Amino-Acids ) ،وأخطر ما في هذه العملية هو الطريقة التي تختلط بها هذه السلاسل بعضها مع بعض فإنها لو اجتمعت في صورة غير صحيحة لنتج سما قاتلا ، بدل أن تصبح مهمة للحياة.!
وهذا الجزيء البروتيني ذو وجود (كيماوي) لا يتمتع بالحياة إلا عندما يصبح جزءا من الخلية ، فهنا تبدأ الحياة ، وهذا الواقع يطرح أهم سؤال في بحثنا: من أين تأتى الحرارة عندما يندمج الجزيء بالخلية؟
إذن القول بالصدفة ولاتفاق استخفاف بعقل الإنسان. . ومثاله كمن يزعم أن سقوط كوب مملوء بالماء أو بالقهوة سوف يرسم خريطة العالم على الأرض! ! ولا مانع من أن نسأل هذا الرجل: من أين جاء بهذا الفرش الأرضي ، والجاذبية ،والماء ، والكوب ، حتى يقع هذا الاتفاق الغريب؟ !
والآن أيها الإنسان العاقل ، أين عقلك عن هذه البراهين والدلائل القاطعة على وجود إله عظيم ، خلق هذا الكون الفسيح بما فيه أنت ؟!!
لا تذهب بعيداً ، فقط تأمل وتفكر في نفسك ، فستجد أن عقلك يقول لك : من أوجدني فيك ؟ ومن منحني هذه القدرات العجيبة ؟ إنه الله ( الخالق الحكيم ) ، إنه الله ( المالك الكريم ) ، إنه الله ( المدبر القدير ).
اسأل نفسك ( فطرتك ) :ماذا تقول عندما تكون في الطائرة وهي في الجو، ويعلن قائدها للركاب عن وجود عطل فيها ، ماذا تقول في تلك الساعة الحرجة جداً جداً ، إن الجواب يأتي مباشرة من داخل نفسك ، إنه صوت ( يا الله !) . ومثل ذلك لو كنت في سفينة في البحر وعلمت بوجود شق فيها ، أو بدأت الأمواج والرياح تلعب بها ، فإن الصوت من داخل نفسك ينطق : ( يا الله ) .
إن الإقرار بوجود الله لهو الدليل على سلامة العقل وحريته من كل المؤثرات البشرية ، وإن الإقرار بوجود الله لهو أول خطوة في طريق الإيمان بالله الذي له ملك السماوات والأرض وهو على كل شيء قدير .
فتعال معي لنتعرف على معنى الإيمان بالله
( وهو موضوعنا القادم بمشيئة الله ).
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم :
{أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ . أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَّا يُوقِنُونَ } الطور 35-36.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رجعت في إعداد هذه الرسالة إلى كتاب ( الإسلام يتحدى ) تأليف : وحيد الدين خان ، فكان مرجعي الأساس ، وفتاوى الشيخ : عبد العزيز بن باز ، وفتاوى الشيخ : محمد بن صالح العثيمين ، ومراجع أخرى .